"أقلام تحت القصف".. 150 صحفياً خسروا أعمالهم في إيران منذ حرب إسرائيل

"أقلام تحت القصف".. 150 صحفياً خسروا أعمالهم في إيران منذ حرب إسرائيل
صحف إيرانية - أرشيف

في الحروب، يُنتظر من الصحفيين أن يكونوا شهودًا أمناء، وعدسات نزيهة، وأصواتًا تنقل ما لا يُقال، لكن في إيران، وبعد حربٍ دامت 12 يومًا مع إسرائيل، لم يكن الصحفيون شهودًا، بل ضحايا. خسر العشرات وظائفهم، وتعرّض آخرون للملاحقة القضائية، فيما تعيش المؤسسات الإعلامية خوفاً من شبح الإغلاق تحت وطأة القيود الأمنية والأزمات الاقتصادية.

رغم امتلاء الحكومة الإيرانية -بحسب وصف بعض الإعلاميين- بـ"الشخصيات الإعلامية"، لم تُتخذ خطوات لحماية العاملين في هذا القطاع الحساس، بل على العكس، تصاعدت المضايقات، وازداد منسوب القمع، في بيئة باتت فيها حرية التعبير مهددة من جميع الاتجاهات، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الخميس.

كشف أكبر منتجبی، رئيس تحرير صحيفة "سازندكی" ورئيس نقابة الصحفيين في طهران، عن طرد ما لا يقل عن 150 صحفياً من عملهم خلال فترة قصيرة بعد انتهاء الحرب. هؤلاء لم يُتهموا بالتحريض أو الخيانة، بل فقط بأنهم كانوا ضمن مؤسسات إعلامية لم يعد يُراد لها أن تواصل العمل.

دور الإعلام في الحرب

ورغم حضور مستشار الرئيس الإيراني، علي ربيعي، ندوة ناقشت دور الإعلام في الحرب، لم يصدر أي التزام حكومي أو حتى تعاطف علني مع من خسروا مصدر رزقهم الوحيد، “كيف نتحدث عن التضامن الوطني ونحن لا نملك الحد الأدنى من الأمان المهني؟” تساءل منتجبي، مشيرًا إلى أن حتى قنوات الدولة الرسمية لم تعد تحظى بالثقة.

الرسام الصحفي هادي حیدري، نموذج آخر لهذا الانهيار. وُجهت إليه تهم قضائية فقط لأنه رسم كاريكاتيرًا للرئيس الإيراني مسعود بزشكیان على ظهر حمار كُتب عليه "وفاق"، لم تكن رسومه دعوة للعنف، بل مجرد تعبير سياسي ساخر، اعتُبر في نظر السلطات "تجاوزًا للخطوط الحمراء".

التقارير تؤكد أن السلطات فتحت 46 قضية قضائية جديدة ضد صحفيين منذ بداية عام 2025، في إطار حملة منهجية ضد حرية التعبير. 

ويقول حيدري: "عندما يُعامل الصحفيون بهذه الطريقة، فإننا لا نذهب نحو الاستقرار بل نحو المزيد من الأزمات".

نظرة أمنية وورق مفقود

الصحفية غزل حضرتی من صحيفة "اعتماد"، شدّدت على أن النظرة الأمنية تجاه الإعلام باتت تعرقل عمل الصحف اليومية. "احتكار الإذاعة والتلفزيون الرسمي للتغطية خلال الحرب هو سلب لحق الصحافة الطبيعي في أداء دورها"، تقول، مشيرة إلى أن الاستقلالية الإعلامية أصبحت وهماً.

ولا تقتصر الأزمة على الجانب الأمني فقط. فبحسب تقرير نشرته صحيفة "سازندكی"، وصلت أسعار الورق إلى مستويات خيالية بعد الحرب، وهددت بإغلاق عشرات الصحف، في ظل غياب أي تحرّك حكومي لتوفير الدعم أو تسهيل الاستيراد.

وفي 9 يوليو، نشرت منظمة "الدفاع عن حرية تداول المعلومات" تقريرًا صادمًا حول واقع حرية التعبير في إيران، مشيرة إلى أن حملة قمع الصحافة تسارعت بعد الحرب. 

وعبّر الاتحاد الدولي للصحفيين عن قلقه من الاعتقالات المتزايدة والاستدعاءات المتكررة بحق الإعلاميين الإيرانيين، مطالبًا بوقف الضغوط فوراً.

لكن هذه النداءات لا تجد آذانًا مصغية، في حين يواجه الإعلاميون الإيرانيون واقعًا قاسيًا، بلا حماية قانونية، ولا ضمان اجتماعي، ولا حتى حقهم في التعبير بحرية.

صحافة في الظل

في بلد يُفترض أنه يحتفي بالثقافة والفكر، تتحول الكلمة إلى خطر، والصحفي إلى متهم محتمل، والكاريكاتير إلى ملف قضائي، ومع تزايد الخوف في غرف التحرير، تخبو الأصوات المستقلة، وتُفرَغ الصحافة من مضمونها.

قد لا يسمع العالم قصص هؤلاء الصحفيين، لكن خلف كل خبر محذوف، وكل مقال لم يُنشر، وكل غلاف لم يُطبع.. هناك إنسان فقد عمله، وأطفاله ينتظرون، وصحفي كان يحاول فقط أن يقول الحقيقة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية